الأحد، 13 نوفمبر 2016

جديد : مقالة : خمر الدنيا - أبوسعيد العباسي - المقالة العاشرة تضم ثلاث رسائل ضمنها.




  المقالة العاشرة
 
شاهد من اليوتيوب 



     بسم الله نبدأ ... هذه المقالة العاشرة ولله الحمد في أقل من شهرين ، لتكن مقالة على مستوى يستفيد منها الكثيرون ، خاصة أنّنا نتحدث عن أمر الدنيا التي ضاع بسببها  الكثير ، والحق يقال ما ضاعوا إلا بسبب أنفسهم ، أما الدنيا فقد كانت بيد الرسول وأصحابه فلم يطلبوها أصلاً ولم يتنافسوا عليها ، فسلموا من شرها وغنموا بالجنان ونعيمها ، وصدق من قال: ( حب الدنيا رأس كل خطيئة).

      وأريد في هذه المقالة أنْ أعرض لكم ثلاث رسائل ، هي كالتالي:
1- الرسالة الأولى : الدنيا دار اختبار
2- الرسالة الثانية : لا تنخدع وتسكر بخمر الدنيا
3- الرسالة الثالثة : حقيقة الزهد في الدنيا

     نبدأ الرسالة الأولى ، وهي أن الدنيا دار اختبار ، كما قال تعالى في أول سورة الملك : { هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} ، وهذه بداية الحقيقة ، فلم تخلق لأجل أن تلعب وتلهو وتشرب من خمر الدنيا ما شئت وكيفما شئت ، فسبحان من قال : { أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون } ، فكل ما تفعله محاسبٌ عليه من خير أو شر ، بل كل كبيرة وصغيرة ، كل ما قصدت سواء فعلته أو لم تفعله ، لذا أصلح نيتك – رعاك الله- وستجد كل شيء سوف يتغير ... وحقيقة الابتلاء(الاختبار) في قوله تعالى { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ثم توعّد فقال: { إنّ اعتدنا للظالمين نار أحاط بهم سرادقها } لذا احذر الظلم بشكل عام ، ومن الظلم { إن الشرك لظلم عظيم } فالظلم الأعظم هو ظلم الله عز وجل ، فهو الذي خلق وأعطى ، ثم يقابل هذا بالكفر والشرك والعصيان ، لا اله الا الله! أضافة لظلم النفس وظلم الآخرين ، واعلموا ان الظلم ظلمات يوم القيامة ، من الآن طهر نفسك من الظلم ، وطهر نفسك من السيئات { إن الحسنات يذهبن السيئات } وأيضاً التوبة {  إلا من تاب وأمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما } ، و أثر التوبة أعظم.

     وقبل أن أدخل في الرسالة الثانية ، أحب أقول لكم: بدأت بذكر حقيقة الاختبار لأن البعض نسى هذا الأمر تماماً بسبب شربه من خمر الدنيا الفاتنة ، وقد لخصت كلام قيماً في أحد سجعاتي السابقة ، وفيها أقول: (حقيقة الدنيا اختبار ، والأخرة هي دار القرار ، وأنت أخي من تختار ، بين جنة أو نار ، فلا تحتار ، بيدك الخيار ، من الآن اتبع سبيل الأخيار، أو ستسقط في يد إبليس الغدار ، وتحشر خاسرا مع المجرمين الاشرار ... اخي احذر قبل فوات المسار ، مسار العمر ماضٍ بانحدار ، الى القبر نهاية الاعمار، وكما ينهي الليل النهار، فالموت أتي للكبار والصغار ، فاعمل بإخلاص واتبع الآثار  ، آثار خير الورى سيدنا محمد المختار ، من اطاعه فاز بجنة الابرار ، ومن عصاه وقع في غضب الجبار ، فإما يتوب فيتوب عليه الغفار ، أو يطغى فيهلك ويكون في دار البوار).

رسالتي الثانية : هي عنوان المقالة عن خمر الدنيا ، وهي التي جعلت الجميع يتهاوى ويتهالك ، وصدق ربي لما قال : { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون } هذا حالهم بسبب الدنيا فكانوا هكذا { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } ، لا اله الا الله! أمر مؤسف أن نجد الناس ينسون حقيقة الاختبار ، وينسون الغاية من خلقهم وهي عبادة الله { وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون } ، ما السبب الذي جعلهم في هذا الأمر؟ أنّه ضعف الإيمان ، وقد تحدث في سلسلة كاملة سلسلة [ جدد إيمانك] عن هذا الأمر ، وقلنا الإيمان هو المحرك الذي يحرك صاحبه نحو ربه ومولاه ، فإذا خرب هذا المحرك فإن محرك آخر سوف يحل مكانه ، وهو محرك الهوى والشيطان ، وقد بينا ذلك بشكل واضح في سلسلة [ سبيل الهداية ] ، وخذ قول الله { نسوا الله فأنساهم أنفسهم } ، ولا أريد أن أزيد في الكلام قبل أن نذكر الحل لهذه المشكلة التي جعلت الغالبية عبيداً للدنيا ، بدل أن يكون عبيداً لله ، كيف ذلك؟ خذ هذا الحديث : ((  تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش )) رواه البخاري وغيره ، لذا الحل حتى لا نكون هكذا أن نجدد الإيمان ، ونعدل من الشر إلى الخير ، ولا نجعل الدنيا أكبر همنا ، فقد كان من دعاء النبي هذا الدعاء (( اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا ، وأجعل الجنة هي دارنا وقرارنا  )) ، أيها السادة الأفاضل ... أحب اختم رسالتي الثانية بقول الله : { فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغرور } وهو من وضّح لنا هذا فقال: { وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } وقال: { وللآخرة خير لك من الأولى } فلا يجب أن نجعل الدنيا مقصدنا الأول وننخدع ونكون مثل هذا الشخص { وأمّا من طغى وآثر الحياة الدنيا } طغى ورضي بالدنيا الفانية فكان الجزاء { فإن الجحيم هي المأوى} ، فاحذروا يرعاكم الله لا تجعلوا الدنيا تفسد عليكم آخرتكم ، هي خمر قوي المفعول يفسد علينا ديننا يجب أن ننتبه لها { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} فقد جاء عن السلف أن من السُكر المقصود أيضاً السكر بخمر الدنيا التي تجعل المصلي غير منتبه ، و لا مستحضر في صلاته ، هذا هو ، هذا هو ، هل عرفتوه؟ لذا احذروا ...

     رسالتي الثالثة في هذا المقالة : وهي عن حقيقة الزهد وقد سبق لي وكتبت أكثر من سبع مرات عنه ، وهذا أمر عظيم في الدين ، حيث أن الزهد خلق عظيم نتعلمه من رسول الله وأصحابه العظام أمثال أبي بكر و عمر ، ، فلا يمكن أن تتخلص من خمر الدنيا إلا من خلاله ، نعم الزهد هو الذي سوف يخلصك من خمر الدنيا ولا شيء سواه ، قال تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} وفي الحديث الصحيح (( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه )) ، ونريد أن نعطي معلومة هامة يجهلها كثير من الدعاة فضلاً عن غيرهم ، حيث أنّ الزهد له ثلاث صور ، صورة خاطئة وصورتين صحيحتين ، وسوف اكتب وأكثر من مقالات بهذا الصدد ، الصورة الخاطئة هي #الرهبانية وهي أن تقطع عن الدنيا تماما ، قال تعالى : { و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} ، أما الصورتين الصحيحتين هما: الزهد الكلي والزهد الجزئي ، وأجمل تعريف للزهد تعريف ابن تيمية رحمه الله : ( ليس الزهد ألا تملك شيء ، ولكن ألّا يملك شيء من دون الله) ، وقيل: ( الزهد هو الاقبال على الله وترك اشتغال بالدنيا والنظر لها بعين الاحتقار) ، والذي يحدد الزهد بين جزئي و كلي ، هو حال الشخص مع الدنيا فإذا كان منشغل بها لكن محققاً التعريف الأول والثاني فهو جزئي وإذا كان انشغاله ضعيف ونادر فهو زهد كلي ، بل أقول لن تصل للزهد الكلي إلا بالزهد الجزئي ، والزهد الكلي غالباً يكون في آخر العمر بعد أن تحقق أحلامك وطموحاتك ، نعطي نماذج للزهد الكلي أبوبكر وعمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز ، أما الزهد الجزئي عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف والحسين بن علي وابن الزبير ، وهنالك أسماء كبيرة ممن ملكت الأموال والمناصب لكنها كانت زاهدة عن الدنيا حتى تكسب المكسب الأعظم ، وما الدنيا إلا مزرعة الآخرة ، يمكن أن تكون زاهداً ولديك الملايين ، بشرط أن لا تصرفك هذه الملايين عن طاعة الله لقوله { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } وقال { إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم } وذلك عندما تبعدك هذه الأمور عن الله وتفسد قلبك وحبك لله الذي يجب أن نحبه أكثر من المخلوقين { يحبهم ويحبونه} ، فلو سمعت الآذان فيا محب الدنيا سوف تبقى على حالك ، و يا زاهداً عنها وراغباً فيما عند الله سوف تنهض وتنضم للصفوف ،  عرفتوا لماذا الزهد هو الحل؟ لكن للأسف يتم تصويره لنا بشكل خاطئ من قبل البعض سامحهم الله ، فربنا قال : { ولا تنس نصيبك من الدنيا } وقال : { فأما بنعمت ربك فحدث } أي أظهرها ، وقد جاء في سنن الترمذي بسند صحيح ، حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )) ، وابشركم لدي كتب ومقالات وسلاسل توجيهية وشخصيات قدوة لنا في الزهد كما ذكرت لكم ، إن شاء الله ضمن أعمال المستقبل ، وأظن الرسالة وصلت ، وبالتوفيق للجميع.
كتبه / أبوسعيد عبدالله باوزير العباسي الهاشمي
من اليمن – حضرموت – المكلا
يوم السبت – 12/ صفر /1438هـجرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق